عندما شاهدت على قناة فضائية ألمانية أرتور فيشر وهو يكرّم بـ«أوسكار» أفضل مخترع، تصوره «الدويتش فيله» وتكتب عنه المانشيتات وتفسح له صفحات الجرائد الحوارات، قلت بالفعل هؤلاء هم من يجب أن تكرّمهم الفضائيات، بدلاً من الغثاء والهراء الذى يصدّعنا به الإعلام المصرى ليل نهار، من خلال ضيوفه الخبراء الاستراتيجيين أو الدعاة المكفرين أو النشطاء النشطين أو أنصاف الفنانين، هذا الرجل الذى اخترع الخابور أو الفيشر الذى يستعمله العالم كله عند دق المسمار فى الحائط هو أهم وأجدى وأنفع من كل تجار الدين ومفتى البزنس الذين يملأون الفضائيات، الرجل عنده 94 سنة و1100 براءة اختراع بدأها بفلاش الكاميرا وإحدى لعب الأطفال التى اكتسحت ألمانيا فى السبعينات و630 مليون يورو صادرات سنوية من الخوابير، هذه هى الخوابير النافعة التى تفيد الدنيا، بدلاً من الخوابير الضارة المدمّرة التى يطلقها علينا سماسرة الدين من خلال منصات الثرثرة واللغو والببغائية، شاهدوا تقرير التليفزيون الألمانى عن هذا الرجل المعجزة الذى من خلال اختراعه البسيط يربح سنوياً ما يزيد على الـ600 مليون يورو، مجرد خابور بلاستيكى أجلسه على قمة مخترعى العالم وأثرياء الدنيا، منتهى التواضع ومنتهى الدأب ومنتهى الأمل، ما زال يبتكر حتى هذه اللحظة، وبعد أن تجاوز التسعين، ما زال يطوّر ولا يخاف من تقليد الصينيين لأنه واثق من تفرُّد منتجه، مجرد فكرة من مخ جسور لا يعرف اليأس جعلته هذا المخترع، ومجتمع تقبل الفكرة لأنه يشجع فضيلة السؤال، كارهاً كل الخطوط الحمراء المقيّدة للفكر، سواء كان هذا القيد سياسياً أو اجتماعياً أو دينياً، من حقك هناك أن تسأل دون سقف يجعلك قزماً منحنى الهامة، بل المطلوب منك أن تسأل دون توقف وبمنتهى الفضول، ما دمت لن تضر إنساناً بهذا الفكر فأنت حر، قل لى بالله عليك كم مرة استضاف تليفزيوننا المصرى د. أحمد مستجير، عالم الوراثة الشهير الذى فكر خارج الصندوق وظل يصرخ بفكرة الرى بالمياه المالحة بعد توليف وهندسة وراثية للنبات، التى جاءت فكرتها أثناء رحلة إلى الفيوم، إلى أن توفى فى صمت متواطئ؟!، كم مرة استضاف عميد كلية علوم القاهرة أو علوم البحار أو رئيس قسم الحشرات أو الجيولوجيا أو الرياضة البحتة؟!، متى يعرف الإعلام أن العالم الذى يمنح مصر بقر فريزيان ذا إنتاجية عالية يكفى حاجة مصر من الألبان هو أهم من كل من يحدثوننى عن رضاع الكبير ونجاسة الحائض ودعاء السفر؟!، متى يعرفون أن مكتشفاً لتطعيم ضد فيروس سى أو حل لدودة القطن وذبابة الفاكهة وسوس النخل.. إلخ هو أهم ألف مرة من كل فرقة الدجالين وكودية الزار التى يطلقونها علينا فى الفضائيات ليل نهار؟ ياريت الفضائيات تتعلم من خابور فيشر وتبطل خوابيرها البرامجية والدرامية الخايبة.